سورة الأعراف - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)}
بين أن إعراضهم لأن الله أضلهم. وهذا رد على القدرية. {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ} بالرفع على الاستئناف. وقرى بالجزم حملا على موضع الفاء وما بعدها. {يَعْمَهُونَ} أي يتحيرون.
وقيل: يترددون. وقد مضى في أول البقرة مستوفى.


{يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187)}
قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها} {أَيَّانَ} سؤال عن الزمان، مثل متى. قال الراجز:
أيان تقضي حاجتي إيانا *** أما ترى لنجحها أوانا
وكانت اليهود تقول للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن كنت نبيا فأخبرنا عن الساعة متى تقوم. وروي أن المشركين قالوا ذلك لفرط الإنكار. و{مُرْساها} في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه، والخبر {أَيَّانَ}. وهو ظرف مبني على الفتح، بني لأن فيه معنى الاستفهام. و{مُرْساها} بضم الميم، من أرساها الله، أي أثبتها، أي متى مثبتها، أي متى وقوعها. وبفتح الميم من رست، أي ثبتت ووقفت، ومنه {وَقُدُورٍ راسِياتٍ}. قال قتادة: أي ثابتات. {قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي} ابتداء وخبر، أي لم يبينها لأحد، حتى يكون العبد أبدا على حذر {لا يُجَلِّيها} أي لا يظهرها. {لِوَقْتِها} أي في وقتها {إِلَّا هُوَ} والتجلية: إظهار الشيء، يقال: جلا لي فلان الخبر إذا أظهره وأوضحه. ومعنى {ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} خفي علمها على أهل السماوات والأرض. وكل ما خفي، علمه فهو ثقيل على الفؤاد.
وقيل: كبر مجيئها على أهل السماوات والأرض، عن الحسن وغيره. ابن جريج والسدي: عظم وصفها على أهل السماوات والأرض.
وقال قتادة: وغيره: المعنى تطيقها السماوات والأرض لعظمها: لأن السماء تنشق والنجوم تتناثر والبحار تنضب.
وقيل: المعنى ثقلت المسألة عنها. {لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} أي فجأة، مصدر في موضع الحال {يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عنها} أي عالم بها كثير السؤال عنها. قال ابن فارس: الحفي العالم بالشيء. والحفي المستقصي في السؤال. قال الأعشى:
فإن تسألي عني فيأرب سائل *** خفي عن الأعشى به حيث أصعدا
يقال: أحفى في المسألة وفي الطلب، فهو محف وحفي على التكثير، مثل مخصب وخصيب. قال محمد بن يزيد: المعنى يسألونك كأنك حفي بالمسألة عنها، أي ملح. يذهب إلى أنه ليس في الكلام تقديم وتأخير.
وقال ابن عباس وغيره: هو على التقديم والتأخير، والمعنى: يسألونك عنها كأنك حفي بهم أي حفي ببرهم وفرح بسؤالهم. وذلك لأنهم قالوا: بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا بوقت الساعة. {قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} ليس هذا تكريرا، ولكن أحد المسلمين لوقوعها والآخر لكنهها.


{قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)}
قوله تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا} أي لا أملك أن أجلب إلى نفسي خيرا ولا أدفع عنها شرا، فكيف أملك علم الساعة.
وقيل: لا أملك لنفسي الهدى والضلال. {إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ} في موضع نصب بالاستثناء. والمعنى: إلا ما شاء الله أن يملكني يمكنني منه. وأنشد سيبويه:
مهما شاء بالناس يفعل {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} المعنى لو كنت أعلم ما يريد الله عز وجل مني من قبل أن يعرفنيه لفعلته.
وقيل: لو كنت أعلم متى يكون لي النصر في الحرب لقاتلت فلم أغلب.
وقال ابن عباس: لو كنت أعلم سنة الجدب لهيات لها في زمن الخصب ما يكفيني.
وقيل: المعنى لو كنت أعلم التجارة التي تنفق لاشتريتها وقت كسادها.
وقيل:
المعنى لو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من العمل الصالح، عن الحسن وابن جريج.
وقيل: المعنى لو كنت أعلم الغيب لأجبت عن كل ما أسأل عنه. وكله مراد، والله أعلم. {وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} هذا استئناف كلام، أي ليس بي جنون، لأنهم نسبوه إلى الجنون.
وقيل: هو متصل، والمعنى لو علمت الغيب لما مسني سوء ولحذرت، ودل على هذا قوله تعالى: {إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}.

37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44